الأزمات... دمار أم فرص للابتكار!​

الأزمات... دمار أم فرص للابتكار!​

تدوينة بقلم: عماد ناشر النعم 

  

يُعَدُّ مفهوم "الأزمة" مفهوماً جدلياً. فقد تجدُ نفسك في موقف تعتبِر أنه يحمل أزمة حقيقية بالنسبة لك، وهو في الواقع فرصة هائلة قادرة على تغيير حياتك كلها للأفضل. 

وحين تتعرض المؤسسات للأزمات، تظهر إمكانياتها إدارياً وتنفيذياً، وتضطر لتغيير أسلوب عملها. فإما أن يُفضي بها ذلك التغيير في النهاية إلى فشلها وانضمامها إلى طابور طويل عريض من الشركات والمؤسسات التي انتهت رحلتها بالفشل، أو أن يتوَّج في النهاية بنجاحات أكبر لتصبح أقوى وأعظم مما كانت. 

  

استجابةً لوباء فايروس كورونا المتجدِّد والمعروف باسم Covid-19، يتسابق المبتكرون أفراداً ومؤسسات لتقديم خدماتهم وتعزيز وجودهم في سوق العمل وفي قطاع الخدمات المجتمعية. 

فعندما نُلقي نظرة على الأزمة الصحية الحالية، يدهِشُنا ما نتج عنها من أشكال التغيير والابتكار في مجالات عدة وقطاعات مختلفة، كتركيب أدوية حديثة وتصنيع أجهزة طبيّة مطوَّرة، بالإضافة إلى التحسّن الواضح في أداء خدمات الرعاية الصحية، والطفرات في عمليات سلاسل التوريد والإنتاج والتعاملات ذات الصلة. 

نرى كيف تحوَّلت العديد من مصانع المشروبات حول العالم إلى إنتاج مُعقِّمات اليدين. وباشرت العديد من الشركات الهندسية في استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد لتصنيع أدوات ومُعِدات تساعد في مواجهة الوباء وإنقاذ الأرواح، حيث شاهدنا العديد من التجارب العملية والبدء بتصنيع أنواع مبتكرة من الأقنعة الطبية وصمامات التنفس وغيرها. 

  

إن القاسم المشترك بين هذه التدخلات هو أنها تسعى جميعاً لمواجهة التحدّيات ولِحَل المشكلات، وهذا هو لبّ الابتكار وصميمه. نجدها مدفوعة بطبيعة الإنسان الفطرية لاستمرار تواصلاته وقضاء الحوائج في الأزمات، وتقديم يد العون والمساعدة عندما تشتد المِحَن، وهو ما نسميه فعلياً بالتصميم المرتكِز على الإنسان. 

تُتيح لنا الأزمات ظروفًا فريدة تسمح للمبتكرين بإطلاق العنان لأفكارهم وللتحرك بِحرّية أكبر لإحداث تغيير سريع ومؤثر، وتدفعنا لبذل قصارى جهدنا لتقديم المساعدة، وتفتح المجالات لفِرَق العمل في مختلف المؤسسات للقيام بعملهم وتُحفِّزهم لطرح الأفكار الأكثر ابتكارًا في خدمة أعمال مؤسساتهم. 

  

كيف تزيد الأزمات فرص الابتكار؟  

تَحدُث في المؤسسات أثناء الأزمة عدة  تحوُّلات رئيسية يساعدُنا فَهمُها على اغتنام الفرصة للقيام  بالتغيير الإيجابي وعلى تعزيز ظروف التفكير الإبداعي والعمل الابتكاري. فكما نعلم، أن أحد أهم التحدِّيات اليومية في المؤسسات هو تحفيز الأداء وتعزيز الانتماء لتحقيق أهداف المؤسسة. 

أما خلال الأزمات، فعادة ما تزداد الطاقة التحفيزيّة لدى القِوى العاملة خوفاً من فقدان عملهم. وهنا يأتي دور إدارة المؤسسة لتوجيه تلك الطاقات نحو هدف واضح لحل الأزمة... حيث إنها في الغالب ليست مجرد مصدر غني للطاقة الجسدية وبذل الجهد، بل قد تكون موجة لا يُستهان بها من الأفكار الإبداعية حيث تفرض حالة الأزمة على فِرق العمل تبادل أفكارٍ يحتفظ بها عادة كل منهم لنفسه، وتخلق شجاعة تنظيمية لاتخاذ إجراءات لدعم هدف معين لا يمكن التفكير به في الأوقات العادية. 

كما وتسلِّط الأزمات الضوء على نقاط الضعف في بيئة العمل على المشاكل الصغيرة والكبيرة، وتفتح أعيننا على تحدِّيات نتجاهلها أحياناً وعلى مشاكل لم نكن ندرك وجودها في الأصل. وتتيح لنا رؤية مختلفة على نظام العمل وتدفعنا لمواجهة الحقيقة حول كيفية عمل أنظمتنا ومَن يساهم في تقدُّم وتطوير أعمالنا ومَن لا. تتوضح لنا فجأة أساليب مختلفة وطرق إبداعية لتنفيذ الأعمال بشكل أفضل وأكثر كفاءة. 

  

أما من ناحية الهيكلية التنظيمية وأسلوب الأداء، تنمو المؤسسات وتعمل على تقوية هياكلها لزيادة القدرة على أداء العمل بكفاءة وجودة عالية، وتسعى للتنبّؤ بالمستقبل عبر دراسة السوق المستهدَف من أجل تحقيق الاستقرار. تأتي الأزمات فتُغيِّر كل شيء، حيث قلبت أزمة وباء الكورونا COVID-19 الطريقة التي تدير بها العديد من شركات التوصيل والمبيع الالكتروني طرُق عملها. فبعد أن عمِلَت على توسيع نماذج أعمالها وتطويرها على مدى سنوات عديدة لرفع الجودة إلى أقصى حد حيث كانت تعمل بأسلوب شحن مخزونات أصغر ونقلها بسرعة أكبر لكسب الثقة والاستحواذ على العملاء، وجدت نفسها مضطرة - مع تضييق حركة النقل -إلى تجاوز العديد من العمليات المضبوطة بدقة وذلك لصالح اختصار الحركة، والعمل على تجميع كميات أكبر من الشحنات وإرسالها بشحنة واحدة ولو أثَّر ذلك على مواعيد التوصيل. كما وخفّضوا إجراءاتهم البيروقراطية بشكل كبير من مراجعات وموافقات إدارية، ما سمح بتطبيق نموذج تفكير جديد ونَشِط لمواجهة ذلك التحدي. 

  

وأخيراً، تتطلَّب الأزمة نشاطاً استثنائياً للتحرك والتغيير، حيث تزداد وتيرة التفكير، وتنشط آليات صنع القرار، وأوامر المباشرة في التنفيذ. 

ينبغي على المؤسسات التي تقع في شِباك "المبالغة والمغالاة في الدراسة قبل اتخاذ القرارات"، البدء بتغيير أسلوب عملها والاتجاه نحو القيام بتجارب سريعة وتقييم الأداء، ثم القيام بتجارب أخرى بالاعتماد على الدروس المستفادة، إذ تسمح عمليات التجريب هذه بإطلاق العَنان لاختبار نماذج التفكير المختلفة، والتي قد يتبيَّن عدم جدوى بعضها، فنستفيد من تجارب الأداء، ونمضي قُدُمًا للتجريب ثانية نحو الإبداع والابتكار والنجاح. 


الاشتراك لاستلام النشرة الشهرية عبر البريد الالكتروني

 
تابعنا
رسالة تتوارثها الأجيال
حسبُنا أنَّا حملنا الرسالة راغبين إلى الله أن يتقبَّلها منّا، ونعمل لتحميلها لمن خلفنا بكلِّ جدّ، إنها رسالة تتوارثها الأجيال
تبرع
الإرشاد و الإصلاح على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة 2020 |